التطعيم في أثناء الصوم

أن الداخل في الجسم إذا لم يصل إلى الجوف أو الدماغ أو وصل إلى أحدهما من المسام لا يفطر الصائم، كما نص على ذلك فقهاء الحنفية والشافعية؛ فقد جاء في “فتح القدير” للكمال ابن الهمام ما نصه: [وَلَو اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ دَاخِلًا مِنْ الْمَسَامِّ وَالْمُفْطِرُ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَنَافِذِ كَالْمُدْخَلِ وَالْمُخْرَجِ لَا مِنْ الْمَسَامِّ] اهـ.

وفي “شرح منظومة الكواكبي” لمحمد كواكبي الحنفي ما نصه: [وكذا إن وصل إلى جوفه أو دماغه دواء من غير المسام، أما إذا وصل من المسام فإنه لا يقضي – يعني: لا يفطر، فلا قضاء عليه- كما لو ادهن فوجد أثر الدهن في بوله، أو اكتحل فوجد طعم الكحل في حلقه، أو لونه في بزاقه – ريقه -] اهـ.

وجاء في “شرح المهذب” للإمام النووي صحيفة 313 من الجزء السادس ما نصه: [وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ الدَّاخِلَ الْمُفْطِرَ بِالْعَيْنِ الْوَاصِلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ] اهـ. ثم بيَّن الباطن بأنه: ما يقع عليه اسم الجوف، أو ما يقع عليه اسم الجوف مما له قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء على اختلاف القولين عندهم.

هذا، وقد نقل الإمام النووي في صحيفة 320 في “شرح المهذب” عن الإمام مالك: [أنه لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا] اهـ.

ومن هذا يُعْلَمُ أن التطعيم بالطعم لا يفطر الصائم؛ لأنه لا يصل إلى الجوف منه شيءٌ من طريقٍ غير المسام كما علمنا ذلك من الأطباء. وبما ذكرنا يعلم حكم الحقن ضد الكوليرا والتيفويد، وهو أنها لا تفطر الصائم؛ لأن الدواء لا يصل فيها إلى الجوف من المنافذ.

الإفطار في نهار رمضان لأصحاب المهن الشاقة

اللاعب المرتبط بناديه بعقد عمل يجعله بمنزلة الأجير الملزَم بأداء هذا العمل، فإذا كان هذا العمل الذي ارتبط به في العقد هو مصدر رزقه ولم يكن له بُدٌّ ( فراق ) من المشاركة في المباريات في شهر رمضان، وكان يغلب على الظن كون الصوم مؤثرًا على أدائه فإن له الرخصة في الفطر في هذه الحالة؛ فقد نص العلماء على أنه يجوز الفطر للأجير أو صاحب المهنة الشاقة الذي يعوقه الصوم أو يُضعِفه عن عمله، كما نُصَّ في فقه الحنفية على أن من آجر نفسه مدة معلومة -وهو متحقق هنا في عقود اللعب والاحتراف- ثم جاء رمضان وكان يتضرر بالصوم في عمله، فإن له أن يفطر وإن كان عنده ما يكفيه.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته “رد المحتار على الدر المختار” (2/ 420): [والذي ينبغي في مسألة المحترف أن يقال: إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر؛ لأنه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه، ولو أداه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر، وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها؛ لأن له قطع الصلاة لأقل من ذلك، لكن لو كان آجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان، فالظاهر أن له الفطر وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرضَ المستأجر بفسخ الإجارة كما في الظئر؛ فإنه يجب عليها الإرضاع بالعقد، ويحل لها الإفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى. تأمل. هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم] اهـ.

وقال العلامة الحطَّاب المالكي في “مواهب الجليل شرح مختصر خليل” (2/ 441): [وقال البرزلي: مسألة: الحكم في غبار الكتان وغبار الفحم وغبار خزن الشعير والقمح كالحكم في غبار الجباسين قال: وعلى هذا يقع السؤال في زماننا إذا وقع الصيام في زمان الصيف فهل يجوز للأجير الخروج للحصاد مع الضرورة للفطر أم لا؟ كانت الفتيا عندنا إن كان محتاجًا لصنعته لمعاشه ما له منها بد فله ذلك، وإلا كره، وأما مالك الزرع فلا خلاف في جواز جمعه زرعه وإن أدى إلى فطره، وإلا وقع في النهي عن إضاعة المال وكذا غزل النساء الكتان وترقيق الخيط بأفواههن، فإن كان الكتان مصريًّا فجائز مطلقًا، وإن كان دمنيًّا له طعم يتحلل فهي كذوي الصناعات إن كانت ضعيفة ساغ لها ذلك، وإن كانت غير محتاجة كره لها ذلك في نهار رمضان] اهـ.

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي في “تحفة المحتاج” (3/ 429-430): [ويُباح تركُه أي رمضان، ومثله بالأَوْلى كل صوم واجب للمريض أي: يجب عليه، ويباح تركه لنحو حصَّاد أو بنَّاء لنفسه أو لغيره تبرعًا أو بأجرة -وإن لم ينحصر الأمر فيه؛ أخذًا مما يأتي في المرضعة- خاف على المال إن صام وتعذر العمل ليلًا أو لم يُغْنِه فيؤدي لتلفه أو نقصه نقصًا لا يتغابن به. هذا هو الظاهر من كلامهم، وسيأتي في “إنقاذ المحترم” ما يؤيده. قال الشيخ عبد الحميد الشرواني في “حاشيته” عليه: قوله: ويباح تركه لنحو حصاد… إلخ. أفتى الأذرعي بأنه يجب على الحصادين تبييت النية في رمضان كل ليلة، ثم من لحقه منهم مشقة شديدة أفطر، وإلا فلا. نهاية. زاد “الإيعاب” (لابن حجر الهيتمي): وظاهر أنه يلحق بالحصَّادين في ذلك سائرُ أرباب الصنائع المشقة، وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين المالك والأجير الغني وغيره والمتبرع، ويشهد له إطلاقُهم الآتي في المرضعة الأجيرة أو المتبرعة وإن لم تتعين، نعم يتجه أخذًا مما يأتي فيها تقييد ذلك بما إذا احتيج لفعل تلك الصنعة بأن خيف من تركها نهارًا فوات مال له وقع عرفًا] اهـ.

هذا عن المباريات التي لا مناص للاعب من أدائها، أما التدريبات فما دام أنه يمكن التحكم في وقتها فيجب أن تكون أثناء الليل حتى لا تتعارض مع قدرة اللاعب على الصيام، وإذا خالف المسئولون ذلك مع قدرتهم على جعلها ليلًا فهم آثمون؛ لأنه لا يخفى أن ما جاز للضرورة أو الحاجة القائمة مقامها لا يجوز أن يتعداها، والضرورة تقدر بقدرها، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173]، فأناط ارتفاع الإثم بعدم البغي والاعتداء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

Disusun Oleh : Kh. Dr. Mohammad Adnan Lc., MA., LLM.

Artikel yang Direkomendasikan

Tinggalkan Balasan

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *